فصل: باب المعادن وغيرها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب المعادن وغيرها:

اعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَخْرَجَ مِنْ الْمَعَادِنِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا جَامِدٌ يَذُوبُ وَيَنْطَبِعُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ، وَمِنْهَا جَامِدٌ لَا يَذُوبُ بِالذَّوْبِ كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْكُحْلِ وَالزَّرْنِيخِ، وَمِنْهَا مَائِعٌ لَا يَجْمُدُ كَالْمَاءِ وَالزِّئْبَقِ وَالنِّفْطِ.
فَأَمَّا الْجَامِدُ الَّذِي يَذُوبُ بِالذَّوْبِ فَفِيهِ الْخُمُسُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَفِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَجِبُ رُبُعُ الْعُشْرِ وَالنِّصَابُ عِنْدَهُ مُعْتَبَرٌ حَتَّى إذَا كَانَ دُونَ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الْفِضَّةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَفِي اعْتِبَارِ الْحَوْلِ لَهُ وَجْهَانِ.
حُجَّتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِي الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» وَهُوَ اسْمٌ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَعْطَى بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ وَهِيَ يُؤْخَذُ مِنْهَا رُبُعُ الْعُشْرِ» إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَمْ تُحْرِزْهُ يَدٌ قَطُّ فَكَانَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَلَا شَيْءَ فِيهِ كَالصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْمُبَاحَاتِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ التَّقَوُّمُ فِيهَا بِالْإِحْرَازِ فَكَانَتْ لِلْمُحْرِزِ إلَّا أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِاعْتِبَارِ أَعْيَانِهِمَا دُونَ سَائِرِ الْجَوَاهِرِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ تَكْمِيلُ النِّصَابِ وَالْحَوْلِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ قَالَ: كَمْ مِنْ حَوْلٍ مَضَى عَلَى هَذَا الْعَيْنِ قَبْلَ أَخْذِهِ وَاعْتِبَارُ الْحَوْلِ لِحُصُولِ النَّمَاءِ، وَهَذَا كُلُّهُ نَمَاءٌ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الْحَوْلِ فِيهِ بِخِلَافِ الْكَنْزِ فَإِنَّهُ كَانَ فِي يَدِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَوَجَبَ فِيهَا الْخُمُسُ وَلَمْ يُؤْخَذْ لِخَفَاءِ مَكَانِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْآنَ فَلِهَذَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمُسُ، فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مِنْ الْمَعْدِنِ فَحَادِثٌ يَحْدُثُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدٍ فَهُوَ كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ.
(وَأَصْحَابُنَا) احْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ» وَاسْمُ الرِّكَازِ يَتَنَاوَلُ الْكَنْزَ وَالْمَعْدِنَ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِثْبَاتِ يُقَالُ رَكَّزَ رُمْحَهُ فِي الْأَرْضِ إذَا أَثْبَتَهُ وَالْمَالُ فِي الْمَعْدِنِ مُثْبَتٌ كَمَا هُوَ فِي الْكَنْزِ، وَلَمَّا «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الرِّكَازُ قَالَ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ اللَّذَيْنِ خَلَقَهُمَا اللَّهُ فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَهَا».
وَلَمَّا «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يُوجَدُ فِي الْخَرِبِ الْعَادِي قَالَ: فِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» فَعَطَفَ الرِّكَازَ عَلَى الْمَدْفُونِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّكَازِ الْمَعْدِنُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا مَالٌ نَفِيسٌ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ الْأَرْضِ فَيَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ كَالْكَنْزِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ وَجَبَ الْخُمْسُ فِي الْكَنْزِ مَوْجُودٌ فِي الْمَعْدِنِ فَإِنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ تَحْدُثُ فِي الْمَعْدِنِ مِنْ عُرُوقٍ كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ فِي يَدِ أَهْلِ الْحَرْبِ، ثُمَّ وَقَعَتْ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ فَتَعَلَّقَ حَقُّ مَصَارِفِ الْخُمْسِ بِتِلْكَ الْعُرُوقِ فَيَثْبُتُ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَكَانَ هَذَا وَالْكَنْزُ سَوَاءً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، ثُمَّ يَسْتَوِي إنْ كَانَ الْوَاجِدُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمْسُ وَالْبَاقِي يَكُونُ لِلْوَاجِدِ سَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ أَوْ أَرْضِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا الْمَالِ كَاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَلِجَمِيعِ مَنْ سَمَّيْنَا حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ إمَّا سَهْمًا وَإِمَّا رَضْخًا فَإِنَّ الصَّبَّ وَالْعَبْدَ وَالذِّمِّيَّ وَالْمَرْأَةَ يَرْضَخُ لَهُمْ إذَا قَاتَلُوا وَلَا يَبْلُغُ بِنَصِيبِهِمْ السَّهْمَ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ التَّابِعِ وَالْمَتْبُوعِ، وَهُنَا لَا مُزَاحِمَ لِلْوَاجِدِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى يُعْتَبَرَ التَّفَاضُلُ فَلِهَذَا كَانَ الْبَاقِي لَهُ.
وَاَلَّذِي رَوَى أَنَّ عَبْدًا وَجَدَ جَرَّةً مِنْ ذَهَبٍ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَدَّى ثَمَنَهُ مِنْهُ وَأَعْتَقَهُ وَجَعَلَ مَا بَقِيَ مِنْهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ وَجَدَهُ فِي دَارِ رَجُلٍ فَكَانَ لِصَاحِبِ الْخُطَّةِ وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ فَلِهَذَا صَرَفَهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يُعْطِيَ ثَمَنَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيُوَصِّلَهُ إلَى الْعِتْقِ وَأَمَّا الْجَامِدُ الَّذِي لَا يَذُوبُ بِالذَّوْبِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا زَكَاةَ فِي الْحَجَرِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ إذَا اسْتَخْرَجَهُ مِنْ مَعْدِنِهِ فَكَانَ هَذَا أَصْلًا فِي كُلِّ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ الذَّائِبُ الَّذِي لَا يَتَجَمَّدُ أَصْلًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْمَاءُ وَالنَّاسُ شُرَكَاءُ فِيهِ شَرْعًا، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكِلَاءِ وَالنَّارِ» فَمَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَاءِ وَهُوَ أَنَّهُ يَفُورُ مِنْ عَيْنِهِ وَلَا يُسْتَخْرَجُ بِالْعِلَاجِ وَلَا يَتَجَمَّدُ كَانَ مُلْحَقًا بِالْمَاءِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ (قَالَ): وَإِذَا عَمِلَ الرَّجُلُ فِي الْمَعَادِنِ يَوْمًا ثُمَّ جَاءَ آخَرُ مِنْ الْغَدِ فَعَمِلَ فِيهَا حَتَّى أَصَابَ الْمَالَ أَخَذَ مِنْهُ خُمُسَهُ وَالْبَاقِي لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِدَ هُوَ الثَّانِي، وَالْمَعْدِنُ لِمَنْ وَجَدَهُ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَحَافِرٌ لِلْأَرْضِ لَا وَاجِدٌ لِلْمَعْدِنِ وَبِحَفْرِ الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْدِنَ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ لَا لِمَنْ أَثَارَهُ، وَالْأَوَّلُ كَالْمُثِيرِ وَالثَّانِي كَالْآخِذِ فَكَانَ الْمَأْخُوذُ لَهُ (قَالَ): وَلَيْسَ فِي السَّمَكِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْعَنْبَرِ الْخُمُسُ، وَكَذَلِكَ فِي اللُّؤْلُؤِ عِنْدَهُ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
أَمَّا السَّمَكُ فَهُوَ مِنْ الصَّيُودِ، وَلَيْسَ فِي صَيْدِ الْبَرِّ شَيْءٌ عَلَى مَنْ أَخَذَهُ فَكَذَلِكَ فِي صَيْدِ الْبَحْرِ.
وَأَمَّا الْعَنْبَرُ وَاللُّؤْلُؤُ فَقَدْ احْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا رُوِيَ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْأَلُهُ عَنْ عَنْبَرٍ وُجِدَ عَلَى السَّاحِلِ فَكَتَبَ إلَيْهِ فِي جَوَابِهِ أَنَّهُ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَفِيهِ الْخُمُسُ، وَلِأَنَّ نَفِيسَ مَا يُوجَدُ فِي الْبَحْرِ مُعْتَبَرٌ بِنَفِيسِ مَا يُوجَدُ فِي الْبَرِّ وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَيَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ اسْتَدَلَّا بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَنْبَرِ: إنَّهُ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَحَدِيثُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَيْشِ دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ فَيُصِيبُونَ الْعَنْبَرَ فِي السَّاحِلِ، وَعِنْدَنَا فِي هَذَا الْخُمْسُ؛ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ، ثُمَّ وُجُوبُ الْخُمْسِ فِيمَا يُوجَدُ فِي الرِّكَازِ لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الْمَوْجُودِ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَقَعَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَمَا فِي الْبَحْرِ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ قَطُّ؛ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا: لَوْ وُجِدَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ لَمْ يَجِبْ فِيهِمَا شَيْءٌ.
ثُمَّ النَّاسُ تَكَلَّمُوا فِي اللُّؤْلُؤِ فَقِيلَ: إنَّ مَطَرَ الرَّبِيعِ يَقَعُ فِي الصَّدَفِ فَيَصِيرُ لُؤْلُؤًا فَعَلَى هَذَا أَصْلُهُ مِنْ الْمَاءِ، وَلَيْسَ فِي الْمَاءِ شَيْءٌ، وَقِيلَ: إنَّ الصَّدَفَ حَيَوَانٌ تَخَلَّقَ فِيهِ اللُّؤْلُؤُ، وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ شَيْءٌ وَهُوَ نَظِيرُ ظَبْيِ الْمِسْكِ يُوجَدُ فِي الْبَرِّ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْعَنْبَرُ فَقِيلَ أَنَّهُ نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ بِمَنْزِلَةِ الْحَشِيشِ فِي الْبَرِّ، وَقِيلَ: إنَّهُ شَجَرَةٌ تَتَكَسَّرُ فَيُصِيبُهَا الْمَوْجُ فَيُلْقِيهَا عَلَى السَّاحِلِ، وَلَيْسَ فِي الْأَشْجَارِ شَيْءٌ، وَقِيلَ: إنَّهُ خَثَى دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ، وَلَيْسَ فِي أَخْثَاءِ الدَّوَابِّ شَيْءٌ (قَالَ): وَلَيْسَ فِي الْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْفَيْرُوزَجِ يُوجَدُ فِي الْمَعْدِنِ أَوْ الْجَبَلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ جَامِدٌ لَا يَذُوبُ بِالذَّوْبِ وَلَا يَنْطَبِعُ بِالطَّبْعِ كَالتُّرَابِ، وَلَيْسَ فِي التُّرَابِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ مَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُ لَا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ وَلِأَنَّهُ حَجَرٌ، وَلَيْسَ فِي الْحَجَرِ صَدَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْحَجَرِ أَضْوَأَ مِنْ بَعْضٍ وَأَمَّا الزِّئْبَقُ إذَا أُصِيبَ فِي مَعْدِنِهِ فَفِيهِ الْخُمُسُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا شَيْءَ فِيهِ وَحَكَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ: لَا شَيْءَ فِيهِ وَكُنْتُ أَقُولُ فِيهِ الْخُمُسُ فَلَمْ أَزَلِ بِهِ أُنَاظِرُهُ وَأَقُولُ أَنَّهُ كَالرَّصَاصِ حَتَّى قَالَ: فِيهِ الْخُمُسُ ثُمَّ رَأَيْتُ أَنْ لَا شَيْءَ فِيهِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيهِ الْخُمُسُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ لَا شَيْءَ فِيهِ قَالَ: لِأَنَّهُ يَنْبُعُ مِنْ عَيْنِهِ وَلَا يَنْطَبِعُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ كَالْقِيرِ وَالنِّفْطِ.
وَجْهُ قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ الْخُمُسَ أَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِالْعِلَاجِ مِنْ عَيْنِهِ وَيَنْطَبِعُ مَعَ غَيْرِهِ فَكَانَ كَالْفِضَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْطَبِعُ مَا لَمْ يُخَالِطْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ يَجِبُ فِيهَا الْخُمُسُ فَهَذَا مِثْلُهُ (قَالَ): إذَا وَجَدَ الرَّجُلُ الرِّكَازَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ مِمَّا يُعْرَفُ أَنَّهُ قَدِيمٌ فَاسْتَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضِ الْفَلَاةِ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِسْلَامِ كَالْمُصْحَفِ وَالدِّرْهَمِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا، أَوْ يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَلَامَاتِ الشِّرْكِ كَالصَّنَمِ وَالصَّلِيبِ فَحِينَئِذٍ فِيهِ الْخُمُسُ.
لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ فَهُوَ لُقَطَةٌ» تُعَرَّفُ وَمَا يُوجَدُ فِي الْخَرَابِ الْعَادِي فَفِيهِ «، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَلَامَاتِ الشِّرْكِ عَرَفْنَا أَنَّهُ مِنْ وَضْعِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَإِذَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِسْلَامِ عَرَفْنَا أَنَّهُ مِنْ وَضْعِ الْمُسْلِمِينَ وَمَالُ الْمُسْلِمِ لَا يُغْنَمُ وَالْمَوْجُودُ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ كَالْمَوْجُودِ عَلَى ظَاهِرِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ عَلَامَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا فَهُوَ لُقَطَةٌ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ قَدْ تَقَادَمَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا دَفَنَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْوَاجِدُ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ حُرًّا أَوْ مُسْلِمًا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمَعْدِنِ فَكَذَلِكَ فِي اللُّقَطَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الرِّكَازِ (قَالَ:) وَإِنْ وَجَدَهُ فِي دَارِ رَجُلٍ فَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الدَّارِ: أَنَا وَضَعْتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ رِكَازٌ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَالْبَاقِي لِصَاحِبِ الْخُطَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاجِدُ سَاكِنًا فِي الدَّارِ بِعَارِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ شِرَاءٍ وَصَاحِبُ الْخُطَّةِ هُوَ الَّذِي أَصَابَ هَذِهِ الْبُقْعَةَ بِالْقِسْمَةِ حِينَ اُفْتُتِحَتْ الْبَلْدَةُ فَسُمِّيَ صَاحِبَ الْخُطَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَخُطُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ حَيِّزًا لِيَكُونَ لَهُ فَإِنْ كَانَ هُوَ بَاقِيًا أَوْ وَارِثُهُ دَفَعَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِأَقْصَى مَالِكٍ يُعْرَفُ لِهَذِهِ الْبُقْعَةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْبَاقِي لِلْوَاجِدِ قَالَ: أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ وَأَجْعَلُ الْمَوْجُودَ فِي الدَّارِ وَالْأَرْضِ كَالْمَوْجُودِ فِي الْمَفَازَةِ بِعِلَّةِ أَنَّ الْوَاجِدَ هُوَ الَّذِي أَظْهَرَهُ وَحَازَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْإِمَامَ قَدْ مَلَّكَهُ صَاحِبَ الْخُطَّةِ فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ عَادِلٌ فِي الْقِسْمَةِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ مُمَلَّكًا لِلْكَنْزِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا هَذَا مَعْنَى الِاسْتِحْسَانِ وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَمَنْ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ فَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِهِمَا فَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَدَهَا فِي خَرِبَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إنْ وَجَدْتَهَا فِي أَرْضٍ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا قَوْمٌ فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ، وَإِنْ وَجَدْتَهَا فِي أَرْضٍ لَا يُؤَدِّي خَرَاجَهَا أَحَدٌ فَخُمُسُهَا لَنَا وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لَكَ، وَهَذَا مُرَادُ مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِهِ، وَهَذَا قِيَاسُ الْأَثَرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ مَلَكَ الْبُقْعَةَ بِالْحِيَازَةِ فَمَلَكَ ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا ثُمَّ الْمُشْتَرِي مِنْهُ يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ فَيَمْلِكُ الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ كَمَنْ اصْطَادَ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا لُؤْلُؤَةً فَهِيَ لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى سَمَكَةً وَإِذَا لَمْ يَتَمَلَّكْ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بَقِيَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْخُطَّةِ ثُمَّ الْإِمَامُ مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَلَا نَقُولُ الْإِمَامُ يُمَلِّكُهُ الْكَنْزَ بِالْقِسْمَةِ بَلْ يَقْطَعُ مُزَاحِمَةَ سَائِرِ الْغَانِمِينَ عَنْ تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَيُقَرِّرُ يَدَهُ فِيهَا وَتَقَرُّرُ يَدِهِ فِي الْمَحِلِّ يُوجِبُ ثُبُوتَ يَدِهِ عَلَى مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَحِلِّ فَصَارَ مَمْلُوكًا لَهُ بِالْحِيَازَةِ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ (قَالَ): مُسْلِمٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوَجَدَ رِكَازًا فَإِنْ كَانَ وَجَدَهُ فِي دَارِ بَعْضِهِمْ رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الدَّارِ فِي يَدِ صَاحِبِ الدَّارِ وَهُوَ قَدْ ضَمِنَ بِعَقْدِ الْأَمَانِ أَنْ لَا يَخُونَهُمْ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ وَجَدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَلَا يَكُونُ هُوَ فِي أَخْذِهِ غَادِرًا بِهِمْ كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ، وَلَيْسَ فِيهِ خُمُسٌ؛ لِأَنَّ الْخُمُسَ فِيمَا كَانَ وُقُوعُهُ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا، وَإِنْ كَانَ الْمَعْدِنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِلْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ خُمُسٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-: فِيهِ الْخُمُسُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَ الْمَوْجُودِ فِي الْأَرْضِ وَالدَّارِ وَجْهَ قَوْلِهِمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اسْمَ الرِّكَازِ يَتَنَاوَلُ الْمَعْدِنَ، ثُمَّ قَاسَهُ بِالْمَوْجُودِ فِي الْفَلَاةِ بِعِلَّةِ أَنَّهُ مَالٌ نَفِيسٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ مَعْدِنِهِ، وَقَدْ كَانَتْ عَزُوفَةً فِي يَدِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَقَعَتْ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ الْمَعْدِنَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مِلْكِهِ وَسَائِرِ أَجْزَاءِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ مَمْلُوكَةٌ لَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا فَكَذَلِكَ هَذَا الْجُزْءُ بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ فِي الْفَلَاةِ وَبِخِلَافِ الْكَنْزِ، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يُسَوَّى بَيْنَ الدَّارِ وَالْأَرْضِ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ- أَنَّ الدَّارَ مُلِّكَتْ بِشَرْطٍ قَطَعَ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَا يَجِبُ فِيهَا خَرَاجٌ وَلَا عُشْرٌ إذَا كَانَ فِيهَا نَخِيلٌ يُخْرِجُ أَكَرَّارًا مِنْ تَمْرٍ، وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ يَقُولُ فِي الْأَرْضِ يَجِبُ الْخُمُسُ فِي الْمَعْدِنِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مَا مُلِّكَتْ بِشَرْطٍ قَطَعَ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا الْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ فَكَذَلِكَ الْخُمُسُ فِيمَا يُوجَدُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى (قَالَ): حَرْبِيٌّ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَأَصَابَ كَنْزًا أَوْ مَعْدِنًا يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْغَنِيمَةِ وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فِي غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ رَضْخًا وَلَا سَهْمًا بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَإِنْ عَمِلَ فِي الْمَعْدِنِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أُخِذَ مِنْهُ الْخُمُسُ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ شَرَطَ لَهُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ رَأَى فِيهِ لِصَارِفِ الْخُمُسِ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا شَرَطَ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِمْ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ رَضَخَ لَهُمْ فَهَذَا مِثْلُهُ (قَالَ): وَلَا شَيْءَ فِي الْعَسَلِ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ أَوْ فِي الْجِبَالِ فَفِيهِ الْعُشْرُ كَيْفَ كَانَ صَاحِبُهُ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّ مَا رُوِيَ فِي إيجَابِ الْعُشْرِ فِي الْعَسَلِ لَمْ يَثْبُتْ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ فَهَذَا مِنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا عُشْرَ فِي الْعَسَلِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مُنْفَصِلٌ مِنْ الْحَيَوَانِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ كَالْإِبْرَيْسِمِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ دُودِ الْقَزِّ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ بَنِي سَامِرٍ قَوْمٌ مِنْ جُرْهُمَ كَانَتْ لَهُمْ نَحْلٌ عَسَّالَةٌ فَكَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً وَكَانَ يَحْمِي لَهُمْ وَادِيَهُمْ فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ شَيْئًا فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنَّ النَّحْلَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَسُوقُهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى مَنْ يَشَاءُ فَإِنْ أَدُّوا إلَيْكَ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْمِ لَهُمْ وَادِيَهُمْ وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ فَدَفَعُوا إلَيْهِ الْعُشْرَ.
وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنَّ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرَ»، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النَّحْلَ تَأْكُلُ مِنْ نُوَّارِ الشَّجَرِ وَثِمَارِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ» فَمَا يَكُونُ مِنْهَا مِنْ الْعَسَلِ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الثِّمَارِ، وَفِي الثِّمَارِ- إذَا كَانَتْ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ- الْعُشْرُ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ثِمَارِ الْأَشْجَارِ النَّابِتَةِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ شَيْءٌ وَبِهَذَا فَارَقَ دُودُ الْقَزِّ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْوَرَقَ، وَلَيْسَ فِي الْأَوْرَاقِ عُشْرٌ فَكَذَلِكَ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا (قَالَ:) وَلَا شَيْءَ فِي الْقِيرِ وَالنِّفْطِ وَالْمِلْحِ؛ لِأَنَّهَا فَوَّارَةٌ كَالْمَاءِ، وَأَمَّا مَا حَوْلَهَا مِنْ الْأَرْضِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: لَا شَيْءَ فِيهَا مِنْ الْخَرَاجِ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعُيُونُ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلزِّرَاعَةِ فَكَانَتْ كَالْأَرْضِ السَّبِخَةِ وَمَا لَا يَبْلُغُهَا الْمَاءُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُول: لَا شَيْءَ فِي مَوْضِعِ الْقِيرِ، وَأَمَّا حَرِيمُهُ مِمَّا أَعَدَّهُ صَاحِبُهُ لِإِلْقَاءِ مَا يَحْصُلُ لَهُ فِيهِ يُمْسَحُ فَيُوجِبُ فِيهِ الْخَرَاجَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ صَالِحٌ لِلزِّرَاعَةِ إنَّمَا عَطَّلَهُ صَاحِبُهُ لِحَاجَتِهِ فَلَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ عَنْهُ (قَالَ): وَلَا شَيْءَ فِي الطَّرْفَاءِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَنْبِتُ فِي الْجِنَانِ بِمَاءٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ اسْتِغْلَالُ الْأَرَاضِي عَادَةً بَلْ لَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ لَهَا، وَالْعُشْرُ إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ اسْتِغْلَالُ الْأَرَاضِيِ عَادَةً (قَالَ): وَلَا يَسْقُطُ فِيهِ الْخُمُسُ عَنْ الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِدُهُ مُعْسِرًا أَوْ فَقِيرًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَلِأَنَّهُ لَيْسَ يَجِبُ عَلَى الْوَاحِدِ وَلَكِنَّ الْخُمُسَ صَارَ حَقًّا لِمَصَارِفِ الْخُمُسِ حِينَ وَقَعَ هَذَا فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ يَدِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ مَنْ يُظْهِرُهُ (قَالَ:) وَإِذَا تَقَبَّلَ الرَّجُلُ مِنْ السُّلْطَانِ مَعْدِنًا، ثُمَّ اسْتَأْجَرَ فِيهِ أُجَرَاءَ وَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ مَالًا قَالَ: يُخَمَّسُ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلْمُتَقَبِّلِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ أُجَرَائِهِ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّ عَمَلَهُمْ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ حُكْمًا بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ لَهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا عَمِلُوا فِيهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لَهُمْ دُونَهُ؛ لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا الْمَالَ وَالْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِلْوَاجِدِ وَالتَّقَبُّلُ مِنْ السُّلْطَانِ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَا هُوَ عَيْنٌ وَالتَّقَبُّلُ فِي مِثْلِهِ لَا يَصِحُّ كَمَنْ تَقَبَّلَ أَجَمَةً فَاصْطَادَ فِيهَا السَّمَكَ غَيْرُهُ كَانَ لِلَّذِي اصْطَادَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ تَقَبَّلَ بَعْضَ الْمَقَانِصِ مِنْ السُّلْطَانِ فَاصْطَادَ فِيهَا غَيْرُهُ كَانَ الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ التَّقَبُّلُ مِنْهُ فَهَذَا مِثْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.